فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري:
قوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71)}.
تكتمون الحق في شأن محمد عليه السلام وأنتم تعلمون أنه النبي الصادق، وهل هذا حكم الخذلان وقضية الحرمان، ثم أخبر أَنَّ منهم من ينافق في حالته، فيريد أن يدفع عنه أذى المسلمين، ولا يخالف إخوانه من الكافرين، فتواصوا فيما بينهم بموافقة الرسول عليه السلام والمسلمين جهرًا، والخلوص في عقائدهم الفاسدة بعضهم مع بعض سِرًّا. اهـ.

.تفسير الآية رقم (72):

قوله تعالى: {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما ذكر لبسهم دل عليه بقوله عطفًا على {ودت طائفة} مبينًا لنوع إضلال آخر: {وقالت طائفة من أهل الكتاب} أي من يهود المدينة {آمنوا} أي أظهروا الإيمان {بالذي أنزل على الذين آمنوا} متابعة لهم {وجه} أي أول {النهار} سمي وجهًا لأنه أول ما يستقبلك منه وهو ما يظهر ولذا عبروا به عن الأول الذي يصلح لاستغراق النصف، لأن مرادهم التلبيس بظاهر لا باطن له، ولفظ لا حقيقة له، في جزء يسير جدًا {واكفروا آخره} أي ليظنوا أنه لا غرض لكم إلا الحق، وأنه ما ردكم عن دينهم بعد ابتاعكم له إلا ظهور بطلانه {لعلهم يرجعون} أي ليكون حالهم حال من يرجى رجوعه عن دينه. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى لما حكى عنهم أنهم يلبسون الحق بالباطل أردف ذلك بأن حكى عنهم نوعًا واحدًا من أنواع تلبيساتهم، وهو المذكور في هذه الآية. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

قول بعضهم لبعض {آمنوا بِالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار} ويحتمل أن يكون المراد كل ما أنزل وأن يكون المراد بعض ما أنزل.
أما الاحتمال الأول: ففيه وجوه:
الأول: أن اليهود والنصارى استخرجوا حيلة في تشكيك ضعفه المسلمين في صحة الإسلام، وهو أن يظهروا تصديق ما ينزل على محمد صلى الله عليه وسلم من الشرائع في بعض الأوقات، ثم يظهروا بعد ذلك تكذيبه، فإن الناس متى شاهدوا هذا التكذيب، قالوا: هذا التكذيب ليس لأجل الحسد والعناد، وإلا لما آمنوا به في أول الأمر وإذا لم يكن هذا التكذيب لأجل الحسد والعناد وجب أن يكون ذلك لأجل أنهم أهل الكتاب وقد تفكروا في أمره واستقصوا في البحث عن دلائل نبوته فلاح لهم بعد التأمل التام، والبحث الوافي أنه كذاب، فيصير هذا الطريق شبهة لضعفة المسلمين في صحة نبوته، وقيل: تواطأ اثنا عشر رجلًا من أحبار يهود خيبر على هذا الطريق.
وقوله: {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} معناه أنا متى ألقينا هذه الشبهة فلعل أصحابه يرجعون عن دينه.
الوجه الثاني: يحتمل أن يكون معنى الآية أن رؤساء اليهود والنصارى قال بعضهم لبعض نافقوا وأظهروا الوفاق للمؤمنين، ولكن بشرط أن تثبتوا على دينكم إذا خلوتم بإخوانكم من أهل الكتاب، فإن أمر هؤلاء المؤمنين في اضطراب فزجوا الأيام معهم بالنفاق فربما ضعف أمرهم واضمحل دينهم ويرجعوا إلى دينكم، وهذا قول أبي مسلم الأصفهاني ويدل عليه وجهان الأول: أنه تعالى لما قال: {إِنَّ الذين ءامَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ءامَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ} [النساء: 137] أتبعه بقوله: {بَشّرِ المنافقين} [النساء: 138] وهو بمنزلة قوله: {وَإِذَا لَقُواْ الذين ءَامَنُواْ قَالُوا ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إلى شياطينهم قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤن} [البقرة: 14].
الثاني: أنه تعالى اتبع هذه الآية بقوله: {وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ} فهذا يدل على أنهم نهوا عن غير دينهم الذي كانوا عليه فكان قولهم: {آمنوا وَجْهَ النهار} أمر بالنفاق.
الوجه الثالث: قال الأصم: قال بعضهم لبعض إن كذبتموه في جميع ما جاء به فإن عوامكم يعلمون كذبكم، لأن كثيرًا مما جاء به حق ولكن صدقوه في بعض وكذبوه في بعض حتى يحمل الناس تكذيبكم له على الإنصاف لا على العناد فيقبلوا قولكم.
الاحتمال الثاني: أن يكون قوله: {ءَامِنُواْ بِالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره} بعض ما أنزل الله والقائلون بهذا القول حملوه على أمر القبلة وذكروا فيه وجهين الأول: قال ابن عباس: وجه النهار أوله، وهو صلاة الصبح واكفروا آخره: يعني صلاة الظهر وتقريره أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي إلى بيت المقدس بعد أن قدم المدينة ففرح اليهود بذلك وطمعوا أن يكون منهم، فلما حوله الله إلى الكعبة كان ذلك عند صلاة الظهر قال كعب بن الأشرف وغيره {آمنواْ بِالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار} يعني آمنوا بالقبلة التي صلّى إليها صلاة الصبح فهي الحق، واكفروا بالقبلة التي صلّى إليها صلاة الظهر، وهي آخر النهار، وهي الكفر الثاني: أنه لما حولت القبلة إلى الكعبة شق ذلك عليهم، فقال بعضهم لبعض صلوا إلى الكعبة في أول النهار، ثم اكفروا بهذه القبلة في آخر النهار وصلوا إلى الصخرة لعلّهم يقولون إن أهل الكتاب أصحاب العلم فلولا أنهم عرفوا بطلان هذه القبلة لما تركوها فحينئذ يرجعون عن هذه القبلة. اهـ.

.قال السمرقندي:

{وَقَالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بالَّذِي أُنْزِلَ على الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ}.
قال الكلبي: وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قَدِمَ المدينة، صلى نحو بيت المقدس سبعة عشر شهرًا، أو ثمانية عشر شهرًا، فلما صرف الله نبيّه إلى الكعبة عند صلاة الظهر، وقد كان صلى صلاة الصبح إلى بيت المقدس، وصلّى صلاة الظهر والعصر إلى الكعبة.
فقال رؤساء اليهود منهم: كعب بن الأشرف، ومالك بن الصيف، وغيرهما للسفلة منهم، آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار، صدقوه بالقبلة التي صلّى صلاة الصبح في أول النهار وآمنوا به، وإنه الحق، {واكفروا ءاخِرَهُ} يعني اكفروا بالقبلة التي صلى إليها آخر النهار {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} إلى قبلتكم ودينكم.
وقال مقاتل: معناه أنهم جاؤوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم أول النهار، ورجعوا من عنده، وقالوا للسفلة: هو حق فاتبعوه، ثم قالوا: حتى ننظر في التوراة، ثم رجعوا في آخر النهار.
فقالوا: قد نظرنا في التوراة، فليس هو إياه، يعنون أنه ليس بحق، وإنما أرادوا أن يلبسوا على السفلة، وأن يشككوا فيه فذلك قوله: {وَقَالَت طَّائِفَةٌ مّنْ أَهْلِ الكتاب ءامِنُواْ بالذي أُنزِلَ} يعني قالوا: لهم في أول النهار آمنوا به {واكفروا ءاخِرَهُ} يعني قالوا: في آخر النهار، واكفروا به {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} أي يشكون فيه فيرجعون. اهـ.

.قال الفخر:

الفائدة في إخبار الله تعالى عن تواضعهم على هذه الحيلة من وجوه:
الأول: أن هذه الحيلة كانت مخفية فيما بينهم، وما أطلعوا عليها أحدًا من الأجانب، فلما أخبر الرسول عنها كان ذلك إخبارًا عن الغيب، فيكون معجزًا.
الثاني: أنه تعالى لما أطلع المؤمنين على تواطئهم على هذه الحيلة لم يحصل لهذه الحيلة أثر في قلوب المؤمنين، ولولا هذا الإعلان لكان ربما أثرت هذه الحيلة في قلب بعض من كان في إيمانه ضعف.
الثالث: أن القوم لما افتضحوا في هذه الحيلة صار ذلك رادعًا لهم عن الإقدام على أمثالها من الحيل والتلبيس. اهـ.

.قال ابن عاشور:

قوله تعالى: {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72)}.
عطف على {ودت طائفة} [آل عمران: 69].
فالطائفة الأولى حاوَلت الإضلال بالمجاهرة، وهذه الطائفة حاولتْه بالمخادعة: قيل أشير إلى طائفة من اليهود منهم كَعْب بن الأشْرَف، ومالك بن الصيف، وغيرهما من يهود خيبر، أغواهم العجب بدينهم فتوهموا أنهم قدوة للناس فلما أعيتهم المجاهرة بالمكابرة دبروا للكيد مكيدة أخرى، فقالوا لطائفة من أتباعهم: آمِنوا بمحمد أولَ النهار مظهرين أنكم صدّقتموه ثم اكفُروا آخر النهار ليظهر أنكم كفرتم به عن بصيرة وتجربة فيقول المسلمون مَا صرف هؤلاء عنا إلاّ ما انكشف لهم من حقيقة أمر هذا الدين، وأنّه ليس هو الدين المبشر به في الكتب السالفة ففعلوا ذلك.
وقوله: {على الذين آمنوا} يحتمل أنه من لفظ الحكاية بأن يكون اليهود قالوا آمِنوا بالذي أنزل على أتباع محمد فحوّله الله تعالى فقال على الذين آمنوا تنويهًا بصدق إيمانهم.
ويحتمل أنه من المحكيّ بأن يكون اليهود أطلقوا هذه الصلة على أتباع محمد إذ صارت علمًا بالغلبة عليهم.
ووجهُ النهار أوله وتقدم آنفًا عند قوله تعالى: {وجيهًا في الدنيا والآخرة} [آل عمران: 45]. اهـ.

.قال ابن عطية:

أخبر تعالى في هذه الآية أن طائفة من اليهود من أحبارهم ذهبت إلى خديعة المسلمين بهذا المنزع، قال الحسن: قالت ذلك يهود خيبر ليهود المدينة، قال قتادة وأبو مالك والسدي وغيرهم: قال بعض الأحبار لنظهر الإيمان لمحمد صدر النهار ثم لنكفر به آخر النهار، فسيقول المسلمون عند ذلك: ما بال هؤلاء كانوا معنا ثم انصرفوا عنا؟ ما ذلك إلا لأنهم انكشفت لهم حقيقة في الأمر فيشكون، ولعلهم يرجعون عن الإيمان بمحمد عليه السلام.
قال الفقيه الإمام أبو محمد: ولما كانت الأحبار يظن بهم العلم وجودة النظر والاطلاع على الكتاب القديم، طمعوا أن تنخدع العرب بهذه النزعة ففعلوا ذلك، جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم بكرة، فقالوا: يا محمد أنت هو الموصوف في كتابنا، ولكن أمهلنا إلى العشي حتى ننظر في أمرنا، ثم رجعوا بالعشي، فقالوا: قد نظرنا ولست به {وجه} على هذا التأويل منصوب بقوله: {آمنوا} والمعنى أظهروا الإيمان في {وجه النهار}، والضمير في قوله: {آخره} عائد على {النهار}، وقال ابن عباس ومجاهد وغيرهم: نزلت الآية، لأن اليهود ذهبت إلى المكر بالمؤمنين، فصلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح، ثم رجعوا آخر النهار، فصلوا صلاتهم ليرى الناس أنهم بدت لهم منه ضلالة، بعد أن كانوا اتبعوه.
قال الفقيه الإمام: وهذا القول قريب من القول الأول، وقال جماعة من المفسرين: نزلت هذه الآية في أمر القبلة، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الصبح إلى الشام، كما كان يصلي، ثم حولت القبلة، فصلى الظهر، وقيل العصر إلى مكة، فقالت الأحبار لتبّاعهم وللعرب: آمنوا بالذي أنزل في أول النهار واكفروا بهذه القبلة الأخيرة.
قال الفقيه الإمام: والعامل في قوله: {وجه النهار} على هذا التأويل قوله: {أنزل} والضمير في قوله: {آخره} يحتمل أن يعود على {النهار} أو يعود على {الذي أنزل}، و{يرجعون} في هذا التأويل، معناه عن مكة إلى قبلتنا التي هي الشام كذلك قال قائل هذا التأويل، {وجه النهار} أوله الذي يواجه منه، تشبيهًا بوجه الإنسان، وكذلك تقول: صدرالنهار وغرة العام والشهر، ومنه قول النبي عليه السلام أقتلته في غرة الإسلام؟ ومن هذا قول الربيع بن زياد العبسي: [الكامل]
من كان مسرورًا بِمَقْتَل مالِكٍ ** فَلْيَأتِ نِسْوَتَنَا بِوَجْهِ نَهَارِ

يَجِدِ النِّساءَ حَوَاسِرًا يَنْدُبْنَهُ ** قَدْ قُمْنَ قَبْلَ تَبلُّجِ الأَسْحَارِ. اهـ.

.قال الفخر:

وجه النهار هو أوله، والوجه في اللغة هو مستقبل كل شيء، لأنه أول ما يواجه منه، كما يقال لأول الثوب وجه الثوب، روى ثعلب عن ابن الأعرابي: أتيته بوجه نهار وصدر نهار، وشباب نهار، أي أول النهار، وأنشد الربيع بن زياد فقال:
من كان مسرورًا بمقتل مالك ** فليأت نسوتنا بوجه نهار

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {وَجْهَ النهار} منصوب على الظرف؛ لأنه بمعنى: أول النهار؛ لأن الوجه- في اللغة- مستقبل كل شيء؛ لأنه أول ما يواجَه منه، كما يقال- لأول الثوب-: وجه الثوب.
روى ثَعْلَبٌ عن ابن الأعرابي: أتيته بوجه نهارٍ، وصدر نهار، وشباب نهار، أي: أوله وقال الربيع بن زياد العبسي: [الكامل]
مَنْ كَانَ مَسْرُورًا بِمَقْتَلِ مَالِكٍ ** فَلْيَأتِ نِسْوَتَنَا بِوَجْهِ نَهَارِ

أي: بأوله، وفي ناصب هذا الظرف وجهان:
أظهرهما: أنه فعل المر من قوله: {آمِنُواْ} أي: أوْقَعُوا إيمانَكم في أول النهار، وأوقعوا كُفْرَكم في آخره.
والثاني: أنه {وَأَنْزَلَ} أي: آمنوا بالمُنَزَّل في أول النهار، وليس ذلك بظاهر، بدليل المقابلة في قوله: {واكفروا آخِرَهُ}. فإن الضميرَ يعودُ على النهارِ، ومن جوَّز الوجه الثاني جعل الضمير يعود على {بالذي أُنْزِلَ}، أي: واكفروا آخر المنزَّل، وأسباب النزول تُخالف هذا التأويل وفي هذا البيتِ الذي أنشدناه فائدةٌ، وذلك أنه من قصيدة يرثي بها مالك بن زهير بن خُزَيْمَةَ العبسي، وبعده: [الكامل]
يَجِدِ النِّسَاءَ حَوَاسِرًا يَنْدُبْنَهُ ** يَبْكِينَ قَبْلَ تَبَلُّجِ الأسْحَارِ

قَدْ كُنَّ يَخْبَأنَ الْوُجُوهَ تَسَتُّرًا ** فَالْيَوْمَ حِينَ بَدَوْنَ لِلنُّظَّارِ

يَخْمِشْنَ حرَّاتِ الْوُجُوهِ عَلَى امرئٍ ** سَهْلِ الْخَلِيقَةِ طَيِّبِ الأخبار

ومعنى الأبيات يحتاج إلى معرفةِ اصطلاح العربِ في ذلك، وهو أنهم كانوا إذا قُتِلَ لهم قتيلٌ لا تقوم عليه نائحةٌ ولا تَنْدُبُه نادبةٌ، حتى يؤخذَ بثأره، فقال هذا: من سرَّه قَتْلُ مالك، فليأتِ في أول النهارِ يجدنا قد أخذْنَا بثأره، فذكر اللازم للشيء، وهو من باب الكناية.
وحكي أن الشيباني سأل الأصمعي: كيف تنشد قول الربيع:... حين بدأنَ، أو بدَيْنَ؟ فقال الأصمعيّ: بَدأنَ، فقال: أخطأت، فقال: بَدَيْنَ، فقال: أخطأتَ، فغضب الأصمعيُّ، وكان الصواب أن يقول: بدَوْنَ- بالواو- لأنه من باب: بدا يَبْدو، أي: ظهر- فأتى الأصمعي يومًا للشيباني، وقال له: كيف تُصَغِّر مُخْتَارًا؟ فقال: مُخَيتير، فضَحِك منه، وصفَّق بيديه، وشَنَّع عليه في حلقته، وكان الصواب أن يقولَ: مُخَيِّر- بتشديد الياء- وذلك أنه اجتمع زائدان-، الميم والتاء- والميم أولى بالبقاء؛ لعلة ذكرها التصريفيُّون، فأبقاها، وحذف التاء، وأتى بياء التصغير، فقلب- لأجلها- الألف ياءً، وأدْغمها فيها، فصار: مُخَيِّرًا- كما ترى- وهو يحتمل أن يكون اسمَ فاعل، أو اسمَ مفعول- كما كان يحتملها مُكَبَّرهُ، وهذا- أيضا- يلبس باسم الفاعل خَيَّر فهو مُخَيِّر، والقرائنُ تبينه.
ومفعول {يَرْجِعُونَ} محذوف- أيضا- اقتصارًا- أي: لعلهم يكونون من أهل الرجوع، أو اختصارًا أي: يرجعون إلى دينكم وما أنتم عليه. اهـ.